Friday, November 1, 2013

شيريهان..عودة الجسد المعاقب


أنت لا تعرف حقا، لم عوقب هذا الجسد تحديدا، كل تلك المرات، بتلك القسوة، ولا تعرف من يتوجب عليك أن توجه له السؤال؟  ربما للرب، وربما لأنه فى بيئتنا العربية، يبدو  هذا كعقاب مناسب لجسد يمرح ويرقص ويغنى ويمثل ويحب وينفتح دون خجل على الحياة..لماذا شيريهان، تحديدا؟...لن تعرف.

عرف هذا الجسد العقاب منذ الميلاد، كانت شيريهان، طفلة، عندما أنكر  نسب هذا الجسد إلى الأب،  الذى تزوج من الأم عرفيا، وشككت عائلته بعد وفاته فى النسب، واتهموا الأم بالطمع فى ثروة الوالد، دخلت شيريهان المحكمة فى التاسعة من عمرها، ولم تنل الاعتراف قبل أن تصل إلى السادسة عشر.
فى أوج شبابها، ووهج اقتحامها للمنازل والأحلام، حتى اصطناعها فى التمثيل، لم يؤثر على موهبة هذا الجسد، عندما انقلبت بها عربة على الطريق، وأجرت بعدها سلسلة من العمليات الجراحية،منعتها من الرقص، حتى عادت بقوة أكبر وقدمت مسرحية استعراضية، و30 حلقة من الرقص فى فوازير رمضان.
بعد انتصارها الأول على المرض، ووصولها إلى ذروة أدائها فى فيلمى عرق البلح والعشق والدم، اصيبت بسرطان، أكل من خدها الأيمن، عام 2002، لتظل طيلة السنوات، من عملية جراحية إلى أخرى.
لم يصدق أحد إنها ستعود، لكنها فعلت.
تلك المرة ليست شائعة.
المكياج الكامل، الفوتوشوب الواضح، الذى يخفى ما فعله السرطان بالخد الأيمن، ضربات الزمن، حرصها أن تعاودنا بطلتها القديمة، كما احتفظت بها مخيلة الحنين، يؤكد أنها تلك المرة ستعود حقا إلى الشاشة، وأن خبر بطولتها لمسلسل، ليس مفبركا.
ستقوم شيريهان ببطولة مسلسل "دموع السيندريلا"  الذى تنتجه شركة "كينج توت" من تأليف:محمد الحناوى،وسيعرض فى رمضان القادم.
المكياج،الفوتوشوب المصطنع، لم يخف الحضور والحيوية فى الجسد الذى يقترب من الخمسين، الصور كانت بمثابة راية أمل فى مسيرة الاحباط العام التى نحياها..أمل تجاهل أن الصور انتصرت على أثر السرطان بالفوتوشوب.
هى منهم، من جيل المآساة، الذى انهارت الدنيا تحت قدميه وتبدلت، وهو فى مجده، دون أن يفهم كيف تغيرت ولماذا. مواليد منتصف الستنيات، ربما هى على يقين الآن انها ابنة لجيل ملعون، يصل لقمة وهجه فى الثمانينات، قبل أن يبتلعه الموت المبكر، أو المرض أو نبذ الجمهور، حمى استقطابهم للاعتزال أو الحجاب مرضاة لرب يعتقد أنصاره أن الفن خطيئة، واضطرار من نجا لكشف آرائه التى تبدو خارج التاريخ والزمن، لينهى حياته كمجنون..هم شهب محترقة، نجاتهم الوحيدة علقت بموتهم مبكرا.
جيل ابن التناقضات، ومآساويات التراجيديا الإغريقية، حيث البطل الفاضل أخلاقيا، بمنطق أرسطو يقع فى الخطيئة، فيلتهمه الذنب.
مجدى وهبة، على سبيل المثال، فى أحاديثه المسجلة والنادرة، لم يكن يتحدث الا عن ضرورة الأخلاق، وعن نصائح معلبة لابناء جيله للابتعاد المخدارت، بينما يموت هو صغيرا بسبب جرعة زائدة منها، المفارقة أن أدوراه فى السينما التى اختزلت موهبته الكبيرة،لم تغادر كونه ضابطا يكافح تجارة المخدرات، أو تاجرا يوزعها.. تناقض يشى بمآساته التى تجعله يحيا بين رغبتين: الانفلات من قبضة السلطة الأخلاقية، وبين ادراك هشاشتها والتخوف من خطورة الابتعاد عن خط الانضباط المرسوم،  تخوف يصل إلى حد الترويج لأخلاقيات تلك السلطة وخرقها فى آن.
واذكر فى الكتاب: عماد عبد الحليم وعمر فتحى ومحسن محى الدين وممدوح عبد العليم وعلى الحجار وآخرون، من نجا منهم من الموت، عاش ليختار  موته بنفسه، ونوع السكين الذى يذبح به موهبته،جيل الانتحار الجماعى، الذى جاءت دقات ساعة الألفية الجديد كأنها  قيامتهم، التى تعلن ميلاد ذائقة جديدة، وخصومة ترغب فى الانتقام من تناقضات هذا الجيل.
لكن شيريهان، قماشة أخرى، قماشة قاومت تسرب العفن إلى المخ كما قاومت تسرب السرطان إليه.
جسدها المصبوب للخفة قاوم، ضد معايير  الفترة التى شهدت توهجها الفنى، فالمزاج الذكورى حينها، الذى ناسب صعود الحرفيين إلى أعلى السلم الاجتماعى مكان فئات الموظفين اللذين تحولوا إلى فئات محدودة الدخل، أحلت مقياسها للأنوثة:جسد مترهل وبدين، حتى الممثلون الذكور اللذين اشتهروا بالوسامة فى السبعينات، لم يجدوا طريقة للبقاء أكبر وقت ممكن على الساحة السينمائية، سوى ترك كروشهم تتدلى، وبدا ذلك مناسبا لكلا الطرفين،صناع الموجة الجديدة من السينما،وصناع أفلام المقاولات.
أثناء الثورة، لم نصدق أغلب الفنانين اللذين نزلوا إلى الميدان، سواء للتصوير أو للصراخ السياسى، باستثناء شيريهان، بحسمها وجسدها المنهك، وشعرها المزموم إلى الخلف بتقشف،  يشى بحسمها لاختيارها، وكلماتها التى لا تقبل التأويل، وحتى عندما ارتبك مسار الثورة، لم ترتبك.. كانت تعرف للنهاية فى أى صف تقف.
أحب شيريهان،أو اكرهها، لكن لن يعفيك هذا من تكرار التساؤل: لم هذا الجسد تحديدا؟، وكيف انتصر ؟.وهل يعاقب مرة أخرى على انتصاره الأخير..أم أن اللعنة هى العودة مرة أخرى خلف ستار  الفوتوشوب والمكياج؟.



 نشر  فى موقع المدن