Wednesday, June 23, 2010

خفيف الروح


لم يكن لايقاع الرواى أن يتغير..لولا مارآه كان سيستمر فى بيع القبلات وانتظاره مصيره كعاشق لنهار يدعى لوليتا.
لكن كل شىء تغير عندما تأمل تمثال طلعت حرب،قال :أهذا مصيرى ..عاشق مغطى بالروث"
"لن انتظر بقاؤها فى هواء مذبوح"
لم يكن لايقاع الراوى أن يتغير،من الشغف واللهفة،إلى الحياد،من الشجن إلى الهدوء،من
من التوسل بالأحبة إلى الأحبة إلى اليقين بإن ثمة حياة فى الخارج
لم يكن لايقاع الرواى أن يتغير لولا أنه مل كل هذا الأسى ..انسحب الراوى مطمئنا أنه مهد العالم  لذلك الخفيف ابن ولى الله الطالح.

لا أرى ما يستحق مدحه فى العالم سوى الوحدة.اسير على الأرض كطير،كرب ينتظر القيامة،ابنى قصورا فى الهواء،اهدمها،لأبنى أجمل منها.
لا أعلم الكثير عن العالم،سوى أنه يستحق الرثاء،لم أتعلم سوى تفريط الرمان للعابرين،وبيع القبلات،اسرار الشفاه،،والافلات من الوصايا .
لم اكره قدر الماعز،قدر المتكرر،كرهت الطوابير،أحكام العسكر،الانحناءت من أجل لقم الخبز،وصايا الأب،كتبة وسط البلد،والعاملون عليها،المصفقون،الممثلون.
أعجبنى الحكاء والمغنى ولاعب السيرك.
أحب من دنياكم ثلاث:سيد مكاوى والقهوة ..وجعلت قرة عينى فى الشيكولاتة.
يبكينى خوف أمى من عبور الشارع،استكانتها لأربع حوائط،المستسلمون لنهارات عادية،
لا أرانى فى القطيع،أرانى نهارا لايتكرر،نهارا تضنيه الحياة.
لا أرغب فى ترك الأثر،فى قذف بذرة،فى بناء بيت،فى انجاب طفل،فى البقاء حيا.
يضحكنى الخلود،اتخيل المشهد الأخير للقيامة هكذا..طفل يطرطر على كل ما فات،قبل أن يبتلعه الخلود.
لااعمل،بل اسكب روحى فى العمل كى ينتهى كل هذا الألم سريعا.

عبور الطريق،يأكل النهار.
صدمتنى عربة،يتكرر ذلك معى كل خمس سنوات،كل المرات تتشابه،كنت فى طريقى لبناء قصر من رمل.
 كنت قادما من صحرائى،حيث تنبت شجرة الشيكولاتة فى الخلاء الذى هو سرى الهائش والوحيد.
حيث كل شىء مهيىء للصراخ،للطيش،للنزق،لصناعة القبلات.
لم اتبين ملامحه فى البداية،كنت فقط مستلقيا على ظهرى،اتضرع إلى الله أن ينسانى،أن يمحونى من كتابه،كأنى لم أكن.
انتهى البكاءبعد ثلاث ليال،كل هذا الشوك،التراب،الصدأ،العصافير الميتة،المسامير،عشاق مجروحون،دماء،عجائز،كلمات هائشة،زجاج مكسور،بائعات هوى وسائقى مبيكروباص،خفافيش،كل ما يفزعه الضوء ..خرج من صدرى.
لم أكن احتاج أكثر من هذا لأكتشف حقيقة السحاب،لأعرف أن الله أيضا يجيد اللعب،كل هذا السحاب هو الا غزل بنات،شكلها الله،سفن ،أراتب،وحوش خفيفة الدم،ظبيان شاردة،محاربون،عشاق،راقصات بطراطير،أشكال بلا نهاية..تحمل الحياة وتدعونا للصعود،لالتهام كل غزل البنات الالهى.
عندما رأيت،انكشف لى ذلك المحارب،لم يكن سحابة،بل انكشف من السماء،كان طرف المقص الضخم يقص السماء إلى شطرين،ليطير كل هذا الحمام،البالونات،الألعاب النارية،أطفال ولبسوا ملائكة يطيرون حول سيف المحارب وأجنحته الضخمة،رتقوا جرخ السماء المكشوف،ثم نزفوا كمطر غزير،يغسل كل شىء،كل ما يفزعه الضوء.
هبط المحارب بجوارى،كنت ذاهلا.سألنى :معك سيجارة؟

أعطيته واحدة،أشعلها بعشق وبلهفة،قال خجلا:تسربت عدوى منع التدخين..إلى السماء.
كان الدخان يتصاعد،يتشكل،يتحرك،كأنه ريح،رسم قلبا وقطارا،نافذةو أشكال عدة ..أشعلت سيجارة وحاولت تقليده ..لكنى فشلت.
ضحك المحارب قائلا:من الدخان ..ولد العالم..ربما ينتهى هكذا أيضا.
قلت له من أنت ؟
فصمت.
تأملته،كان وسيماوطازجا كنبع لم تمسه شفاه،له ذقن مشذبة،يرتدى جلباب أسود،بدا كقديس،لكن عيناه تفضحانه،إنه يكره تلك القداسة ودوره كرجل مهذب،فى حقيقته هو "فكهى"بعض الشىء،كان بهاؤه يحيل الخلاء إلى نهار عصى على الامتلاك.
كان للمحارب سبعة ظلال،لاتتحرك وفقا لحركته أو لارادة الشمس على جسده،لم اتبين حركاتهم جيدا،واحد من الظلال السبعة استطعت تمييزه بقوة الألفة،بنظارة الكفيف وجسده المضموم على عود يمسكه كما تمسك الروح بالجسد،بدا منسجما مع أشباح من الحمقى والغرباء والمجاذيب والمطرودين من رحمة الأرض،بدا كرحمة السماء للباحثين عن الونس،كان يوزعه بسخاء.
ابتسمت للظل،بينما قال المحارب:تتذمر من الحياة..رغم أن مطربا بكامل بهاؤه وعطره خلق من أجلك.
لم أتوحد مع شخص،قدر هذا الكفيف،سيد مكاوى،مثلى أبصر النور مرة فظل يبحث عنه طيلة حياته،وأنا أبصرت سر الشمس مرة وهى تحمم فتاة تفرط الرمان من العابرين وتغزل لها ثوبا لا يلبس سوى مرة واحدة.
هو متوحد بذاته وانا مثله ورغبتنا أن نطرب الجمع،أن نفرط لهم الرمان،لا أكثر،لا أقل.
نحن كفيفان نبحث عن النور.
انتزع المحارب سيفه الضخم،قائلا:تثقلنى كل تلك التفاصيل"
أطلقت ضحكة،أشعلت سيجارة أخرى بتوتر."التفاصيل،إنها تقتلنى كل يوم،تلتقطها روحى كشوك،أمشى على جمر لا على الأرض،كل ذلك يهيئنى لأن لأصير عاشقا مغطى بالروث".
علق المحارب سيفه فى خاصرتى،بدا غير مرئى،وخفيفا كقطعة شيكولاتة،لكنه اثقل روحى.
ربت المحارب على كتفى قائلا:
لايعرف الثقل سوى من ذاق الخفة.
ثم صنع مدينة كاملة من الدخان،ثم محاها بطرقعة إصبع.فى تلك الدقيقة،عشت دهرا كاملا فى المدينة، استكانت الريح لأمرى وامتلكت النار ..ووقف الجن على أعتابى فى انتظار اشارة من ابهامى ..وخضعت تحت رايتى كل الممالك التى نصبها النمل..ولكن كل تلك القدرة ..أصابتنى بالفزع ..فأعتقتهم ..فصرنا اصحاب نتسامر..دوايت هدهد سليمان الذى ذبحه بائع الحنطة من جرح موته،فحط على كتفى.
ابتسم المحارب قال:كنت اعرف أنك كنت ستملكهم برضاهم.
قلت:لا أريد أن أملك شيئا،كل مااريده ان اصير خفيفا كطير ورع،كندبة جففها الزمن فأصبحت كوردة فى عروة القميص.
قبلنى المحارب،انحنت لى ظلاله السبعة.
سألته:من أنت؟
فقال:أنا صانع المطر،اطفال السماء،غاسلى الشوارع والذنوب والخطايا الذابلة،نكنس التراب عن الضوء،ونخفف قسوة الشمس..وجئت كى أهبك القدرة..أن تكنس التراب عن الضوء.
صنع بدخان سيجارته وردة،لمستها،فتحولت من دخان إلى حقيقة بين يدى..سميتها "زهرة الدخان" وامسكتها.

أطفأ المحارب سيجارته ثم طلب واحدة أخرى خجلا فهو لاينال حظ التدخين فى السماء الا متخفيا،صنع من الدخان مركبا ضخمة،تحول فى لحظة إلى ربان،احد ظلاله السبعة،بينما تحول المحارب إلى ظل يرتدى كباقى الظلال زى بحارة،صعدنا بالمركب إلى السماء،طفنا بين كائنات الله التى لاتعرف سوى اللعب،الوحوش خفيفة الظل،الأرانب،صف من القطط ذيوله مربوطة ببعضها،قرد يلعب الترابيز،كمان يعمل كنادل ويمامة تجلس كزبون فى مطعم،قراصنة يخوضون معارك بلا طائل لخطف كعكة بالكراميل.
قلت:ظرفاء.
قطف لى الربان من غزل بنات الرب.
أكلتها وتأملت فى وردة الدخان،فتنت بها،فانفركت،حزنت،صرخت،فتفتت مركب الدخان،ولولا أجنحة المحارب،لتهشمت على الأرض.
اعطانى ظل سيد مكاوى:شربة ماء.

التقط المحارب إحدى ظلاله،فرأيته مرتديا عمامة،بدا كشيخ من زمان سحيق،وفى يده مخطوطة جففها الزمن،كتب عليها:منطق الطير.
سألته :متى تصلنى الحكمة؟
قال الشيخ:ستبلغ الحكمة لو ميزت بين الماء والعطش..بين الروح ..والوردة التى انفركت بين أصابعك منذ دقائق.
لم أفهم شيئا.
كانت شجرة الشيكولاتة التى زرعتها فى الخلاء،تكبر وتنضج حتى صارت فتنتها مستحيلة.
نظرت لى وغنت:اقطفنى ..أنا الطريق والرفيق..لاشىء هنا يخصك سواى.

كدت اعبر الطريق إليها،لكن صدمتنى عربة،تعودت على هذا،تصدمنى عربة كل خمس سنوات،لم تدهسنى كالعادة،يفرمل سائقها،فتكتفى العربة بصدمى بقوة،اطير على الأسفلت،يعتصرنى واعتصره،محاولا التشبث بخشونته،تجرح يدى،يجرح قلبى،تخدش روحى،أرى القرنفل يتطاير باكيا،بينما يرمى فى قلبى بذور لزهور العالم،من كل قطفة حسن بمثل.
تجمع العابرون،كانوا حفاة،اندهشوا من وقوفى سريعا،كأن جرحى المنصوب لم ينفتح.


قال الشيخ :فلتكنس التراب عن الضوء،ولايذهلك شىء عن شجرة الشيكولاتة.
قلت:لكن عبور الطريق يأكل النهار..فمتى ينتهى كل هذا الألم.http://www.youtube.com/watch?v=_LzmdovYoAI&feature=related

7 comments:

  1. اخيراً.. غيابك طول خالص.. ايووووووووه

    ReplyDelete
  2. مرحباً بعودتك!
    كنت أتمنى لو لم تمسح كل كتاباتك السابقة
    بانتظار عودة سيرة بني زرياب أيضاً

    ReplyDelete
  3. عاجبني جدا إحساس الشجن العالي (الحقيقي) اللي في الكتابة ده

    " الذابلة،نكنس التراب عن الضوء،ونخفف قسوة الشمس..وجئت كى أهبك القدرة..أن تكنس التراب عن الضوء.
    " أحب من دنياكم ثلاث:سيد مكاوى والقهوة ..وجعلت قرة عينى فى الشيكولاتة.
    "


    "لا أرغب فى ترك الأثر،فى قذف بذرة،فى بناء بيت،فى انجاب طفل،فى البقاء حيا.
    "
    ألهذا محوت بعضا من آثارك سابقا؟ لكن ها أنت ذا تخطها من جديد ، فاحذر!

    ReplyDelete
  4. العطش: هو انسياب الماء على قلبك
    بينما
    الماء:هو انسيابه أمام على شفتيك

    الروح: هى الوردة التي لم تُقطف
    الوردة: هي الروح التي نقطفها

    تحياتي

    ReplyDelete
  5. ra2e3 kal3ada bs leeh masa7t kol ktabatak ely fatet ?,,,

    ReplyDelete