Saturday, August 17, 2013

الرجل العناب..كوميديا الانتقام

 قبل 12 عاما من عرض مسلسل الرجل العناب ،للثلاثى:أحمد فهمى وهشام ماجد وشيكو،كانوا ضيوفا على أمن الدولة،للتحقيق فى الفيلم القصير"رجال لا تعرف المستحيل"،والذى أنتج بجهود ذاتية،وموارد ضعيفة،وبكاميرا فيديو عادية،وبحالة كاملة من الارتجال واللهو الذى لا يهدف إلى أقوال عميقة،قدر ما يهدف إلى اللعب البرىء.
لم يخل هارد ديسك أى شاب فى مصر،من الفيلم الذى انتشر بطريقة جنونية وقتها،وشهد سخرية مبكرة من فيلم "الطريق إلى إيلات"،بما يحمله من إكليشيهات عن حب مصر،وتصوير الدولة لبطولات مخابراتها،الخط الأحمر المخيف والغامض فى تلك الآونة،فضلا عن السخرية من صفوت الشريف،الرجل القوى فى نظام مبارك،الذى كان فى ذلك العام فى أوج نفوذه،قبل أن يبدأ النظام العد التنازلى لنهايته.
أفرج أمن الدولة عن صناع فيلم "رجال لا تعرف المستحيل"،بعد تأكدهم من عدم انتماء أصحابه لأى تيارات سياسية،وهى حقيقة لم تمكنهم من رصد،أن الفيلم،كان تعبيرا عن مزاج جيل العالم الافتراضى والذى يملك رغبة حادة فى الانتقام من صناع خياله القديم،تزامن ذلك مع ظهور فضاءات أخرى للتعبير خارج الإرادة المفروضة بقوة النظام.
في أفلامهم الثلاثة "ورقة شفرة"، و"سمير وشهير وبهير"، و"بنات العم"، لم يتخل الثلاثي عن حالتي اللهو والإرتجال، وعن "الخيال الطازج" في إنتاج الكوميديا التي لا تعترف بخطوط حمراء، بل وتحتفظ بجو "الرخص" الممتع، من دون إغفال جانبي "السبوبة" و"النحت". والأخيران مصطلحان يعنيان فى مصر تأمين التمويل من طريق أعمال فنية تجارية بغض النظر عن القيم المرجوة من خلال اللعبة الفنية. وإن كان غض النظر أو اللاكمال هذا يتحول مع الثلاثي إلى نقطة تميز، تتيح لهم الحفاظ على حالة اللعب.

في أفلامهم الثلاثة كانوا أكثر تمرداً على الخطوط المحفوظة للكوميديا المصرية، ولأول مرة تتم السخرية من أيقونات تكرست على مدى  عشرات السنين، كعبد الحليم حافظ الذي غنى في فيلم "سمير وشهير وبهير" الأغنية الشعبية لسعد الصغير "العنب"، كما تجرأوا على السخرية من المطربة فيروز، مستغلين التشابه، بين اسمها وبين منتج شراب شعير يحمل الإسم نفسه، وظهرت صورة الأم على عكس تصويرها بمثالية في الأفلام المصرية، ذات ماض منحرف أو واقعة في غرام ابنها، بينما قدموا في فيلم "بنات العم"، الأكثر نضجا، نظرة لا تنحاز  إلى الذكورة أو الأنوثة، بل تقف لتحتقر الإثنين معاً، في موقف تتحول فيه ثلاث بنات إلى ثلاثة رجال.

بعد ثلاثة أفلام،أثبت مسلسل الرجل العناب،أن الثلاثة أصدقاء خريجى كلية الهندسة بجامعة القاهرة،واللذين كونوا أثناء فترة الجامعة فرقة "تمر هندى للانتاج الفنى"،لازال لديهم ما يمكن قوله.
تبدو لغة الثلاثى،شفرة لا يفهمها سوى الأجيال الأصغر سنا،بينما لازالت الأجيال الأكبر  تفضل كوميديا مألوفة ومتوقعة كالتى يقدمها عادل إمام،وممثلى الكوميديا المتفرعين من مدرسته كمحمد هنيدى،ومحمد سعد،بينما يبدو ممثل كأحمد مكى والأقرب لما يقدمه شيكو وماجد وفهمى فى نقطة الانتقام،من خيال فترتى الثمانينات والتسعينات،كمفلس قال كل ما عنده فى هذا الصدد،وتائه خارج تلك المنطقة،التشابه والقرب،جاء من جيل تربى على ثقافة أفلام الفيديو المصرية والأمريكية،قبل ظهور الانترنت،وهو ما يبدو ظاهرا فى استعادة هذا الخيال وتحطيمه.
فى الرجل العناب،هناك تجدد واضح وتجاوز لأحمد مكى،فالسخرية لم تعد فقط من الماضى،بل من الحاضر أيضا،فالرجل العناب،الذى يرمز  لعبادة الجماهير للقوة،يتم التلاعب به و الجماهير معه،من قبل الأحزاب السياسية،والشرطة المصرية التى ظهرت فى المسلسل بأقصى درجة ممكن حالات "الفشل" و"الدونية ممثلة فى ضابط فاشل وشدسد البدانة"،فى مقاربات تشبه الواقع الحالى فى اختيارات المصريين عقب الثورة.
لا يبدو المسلسل منحازا لأحد،لا الهامش أو المتن،لا الصواب أو الخطأ،لا يتخذ مواقف،سوى السخرية من كل المواقف،بما فيها أقدسها عند (الثوار،الفلول،التيارات المحافظة،الإسلاميين) ودون أدنى محاولة للتعالى على الرخص الممتع فنيا أو محاولة لتجنبه،لا يسعى لاكتشاف حكمة أو حقيقة،بل هلهلة تلك الحكمة،واظهار "رخصها".
الإيفيهات تتجاوز المقدسات والمكتسبة بعد الثورة،فتسخر من فكرة المتاجرة بالشهداء لدى الجميع،من المليونيات،فى مشهد يعيد استنساخ مليونية بالتحرير لانتظار  صريح الفيل وهو يطير فوق الرجل العناب،بل والمتاجرة بالقضية الفلسطينية كإكليشيه فى أحاديث السياسين وموضوعات الانشاء.
تبدو الكوميديا فى الرجل العناب،ككاسحة ألغام،لا ترتكز على موضوع بعينه،وانما تنتهز الفرص عبر ارتجال المشاهد والفوضى للسخرية من كل شىء،حتى المقدس الدينى،فعندما تطلب نتاشا،ابنة الحارة التى تحب عصفور أو الرجل العناب أن يكمل نصف دينه(أى يتزوج) يجيبها:أنه أكمله فقد بدأ قريبا فى صلاة الجمعة،ويتوقع مخترع الرجل العناب،أن يخترع الليبرالين والشيوعين أبطالا خارقة،بينما يتوقع أن تكون الصفة الخارقة لدى بطل السلفيين هو أن تكون دعوته مستجابة.
إخراج المسلسل المتوسط،الموسيقى الهابطة لعصام كاريكا،التنفيذ البدائى للجرافيك،على عكس تواجدهم فى السينما،تبدو أمورا هامشية،لا يهم نقدها فى ظل حالة الارتجال التى تتملك العمل،والتى تعيد إلى الأذهان بدايتهم قبل 13 عاما،بفيلم انتجوه على نفقتهم،حيث الكوميديا لا تهدف إلا إلى مسخرة كل شىء،دون أن تحدد وجهة لذلك أو غرض سوى اللهو,واستلهام ركاكة المجتمع والتى تبدو الآن فى وطن كمصر،محرك رئيسى للأمور.

نشر  فى موقع المدن

2 comments: