Saturday, March 31, 2012

عن زينهم السماحى..الموهوب الذى لن تتذكر اسمه


لن تذكر اسمه.
لذا،ستنعيه الصحف ،ومواليد الثمانينات على تويتر هكذا:مات زينهم السماحى.
سيبحثون عنه فى ويكبيديا،سيحاولون اكتشاف نصف معلومة على جوجل:فيكتشفون ان المحتوى الافتراضى الذى يسع كل شىء بدءا من طريقة تحضير البطاطس إلى صناعة قنبلة لتفجير مدينة لا يحتوى الا على جمل قليلة عنه: اسمه السيد حلمى عبدالكريم ، مولود بالأسكندريه ، عمل أستاذا بكلية الزراعة ، جامعه القاهرة ، كما حصل على دراسات فى الإخراج والسيناريو ، لمع أسمه فى التلفزيون من خلال مسلسلات " ليالي الحلميه " جمهوريه زفتى " ، " زيزنيا " ، " التوأم " ، كما حصل على بكالوريوس المعهد العالى للسينما عام 1974 ، كان فى أحسن حالاته فى دوره فيلم " المهاجر " .
سنكتشف فجأة،انه منحوت فى الذاكرة،لا كممثل لكن كفرد من العائلة.
البلطجى،صاحب القهوة فى ليالى الحلمية:الذى يكتشف فى استشهاد أخيه أن مصر وطنا يصلح للقتال من أجله،لا القتال على لقمة عيش عابرة فى هواءه.
لن يكسره شىء،كل الكوارث فى حياته ستتحول إلى طاقة تجعله أكثر قوة:سجنه على يد سليم البدرى،استغفال العمدة سليمان غانم له،استشهاد أخيه،سماسم العالم التى لم تتغير أخلاقها..لن يكسره شىء،الا الوطن ..انكسار الوطن وحده هو الشىء الوحيد القادر على أن يزلزل الجبل،القوة،البطش:انكسار الحلم فى هزيمة يونيو 67،ليتحول من سلطان إلى مجذوب،ينطق بالحكمة ويخلطها مع الهراء والمشاهد القديمة كى لا يدرك قيمة ما يقوله الا من هو أهل لذلك.حتى الموت لن يأتيه الا باختياره،عندما يجبر نصر 73 كرامته الجريحة،لحظتها ولحظتها فقط،سيموت.
لن تذكر اسمه.
لأن التمثيل فى مصر:لم يصعد أبدا بممثليه العظماء إلى الصف الأول.
فريق التمثيل الحقيقى فى مصر:محمود المليجى،توفيق الدقن،عبد المنعم ابراهيم،سناء جميل،ومن بعدهم أجيال وأجيال..ستستهلكها الأدوار الرخيصة،ومسلسلات التليفزيون:لن يحظوا بفرص كثيرة ليكشفوا سرهم الدفين:أنه ببساطة يملكون الموهبة،التى لا يملكها النجم.
السيد حلمى عبد الكريم واحد من هؤلاء،لا أحد يعى سره.
لكن شاشة التليفزيون الصغيرة:تملك الكثير من الأفكار سابقة التعليب،كعلب التونة،سهلة الاستعمال،قابلة للفتح بسهولة،وقابلة للنسيان بسرعة أكبر.
السيد حلمى عبد الكريم:سيدركه يوسف شاهين فى فيلم المهاجر،ليحوله من بلطجى إلى حكيم:يملك المعرفة وسر التحنيط والزراعة،لنكتشف معه أنه هذا الوجه المنحوت كتمثال قديم،مصرى حتى النخاع،لن يبدو غريبا أو متطفلا على عالم يوسف شاهين:ستعود الحيوية إلى أداؤه،طريقة حركته،نطقه للحروف.
ستسأل وقتها:لم ضيعنا سيد حلمى عبد الكريم فى متاهة التليفزيون،لم لم نمنحه نصا أكثر قابلية للخلود والتألق.
ربما يظل زينهم السماحى،ودوره فى الراية البيضا استثنائين يؤكدان القاعدة.
فحالة أسامة أنور عكاشة..كانت استثناءا..ربما لأنه كان يملك مشروعا واضحا محددا،جعله أيضا يميل إلى تثبيت ممثليه،الذين كان من بينهم ذلك الجيل الموهوب والضائع،الذى لم يجد مناخا لتفريغ موهبته الا فى مونولوجات عكاشة الشكسبيرية:من هؤلاء سيد عزمى،فتوح أحمد،محمد متولى،انعام سالوسة...وآخرين.
رحل زينهم السماحى،دون تكريم ملائم لموهبته،وسيرحل آخرين كذلك،سيمضون بيننا طويلا دون أن نشعر بأنهم كانوا منحوتين فى الذاكرة بتلك القوة،ليصدمنا الموت،انهم بلا محتوى كبير على جوجل سوى أنه رحل عن دنيانا،بينما يذكر أحدهم معلومة هنا أو هناك عن أنه كان أحد الناشطين البارزين فى حزب التجمع.
الموت،لا يكرم من رحلوا،لكنه يفضح من بقوا.

 نشر على بوابة المصرى اليوم



No comments:

Post a Comment